يَومٌ فِي الغَابة مَع صَاحْبْتِي
حضّرتُ ما يلزم من أكل و شُربٍ و وسائل للتّرفيه , عبّأت خزّان الدراجة بما يكفي من بنزين , و انتظرت مكالمة منها أو رسالة نصية قصيرة تُحدّد فيها المكان الذي ستكون به و زمانه . .
اتّصلت أخت صديقي بي هاتفيا :
_ أهلا عرتلانة . . ما هذا التأخر بالله عليك ؟!
= ألوو بُعرلان , أنا الآن قرب صيدلية الأمراض بالجهة الشمالية لمسجد الجّامع , أينك الآن ؟
_ آااه , حسنا انتظريني هناك , أنا أتٍ بسرعة إليك حبيبتي المشاكسة
أخذتُ الدراجة و انطلقتُ إلى المكان الذي حدّدَت عرتلانة . .
وصلتُ في الوقت المناسب . . تبادلنا التحية و السلام و ذاكشي , ثُمّ أردفتُها خلفي على الدراجة بعدَ أن دسّت رأسها الشبيه بجذور الكرافص داخل الخوذة , و اتكأتْ على ظهري المقعّر لأني دَفعتُ حينها بِصدري إلى الأمام لأظهر أمام الرائح و القادم مُبودَراً و صحيحاً
عانقتني بأسلوب فظٍّ غليض جَعَلني أتبوّقُ و أرفعُ , و عِطرها النّتن دوّخني , و دقنُها الحديثُ الحلاقة الذي وضعتُه على كتفي وخزني كوخز الدّبّور لأنف الجعبور . .
هذه الفتاة طائشة مشاكسة , تركبُ الأهوال بدون أن تُفكّر في العواقب أو ما بعدها , و خرجتي هذه معها ليست إلا خرجة كباقي خَرَجاتي مع قريناتها الطائشات من بنات الحي و أخوات الأصدقاء و تلميذات الثانويات و الإعداديات و حتى اللائي أصطادهنّ في الشواطئ و المركبات الثقافية و السوليمات و الحدائق العمومية و الشوارع و الأماكن العمومية و الفيسبوك و ما إلى ذلك من أماكن قنص اللطيفات المعنفجات ...
و أنا أسوق الدراجة صوبَ الغابة القريبة بمعية " صَاحْبْتي " الجديدة , شرد ذِهني بعيدا بعيدا و صِرت أخيط و أرقّع في سروال الحدث بكلّ بلاهة , معي من الأكل ما يُشبع البطنين و من الشراب و الخمر ما يُغيّب العقلين و من السجائر و الحشيش ما يُهيّج النفسين و من الموسيقى ما يُنشّط الجسدين . .
كانت تهمهم بكلمات مطموسةٌ أذناي عن سماعها , و كُنت أتخيّل عرضاً ساحرا مسبوقاً بمقدّمة سُريالية مختومة بيومٍ مُدهش . .
وصلنا . .
كانت وحشة المدخل توحي بأن الغابة خاوية من البشر , إلا قلة قليلة من الرياضين الذين يعشقون العَدو هنا و ممارسة حركاتهم الرياضية التسخينية , أو بعض العُشّاق المندسّين وراء الأعشاب و جذوع الشجر و حتى بين أحضان الحُفر يعيشون حُبّ هذا الزّمن العجيب ..
ترجّلنا عن الدراجة التي قُمت بدفعها , و مشينا نحو مكان بدا لي من بعيد مناسبا , متبادلين أطراف حديث تافه لا جدوى منه
أزلتُ سُترتي . . فرشتُها و أَشَرتُ لِـعرتلانة بالجلوس , أخرجتُ الطّعام و الشراب و قنينة النرجيلة و عُلبة السجائر و قضيب الحشيش المغربي من مُخزن الدراجة و جلستُ بقرب الفتاة . . شغّلتُ أغنية راي رومانسية من الهاتف , كان مقطع عرتلانة المفضّل , يتذمّر فيه المغني من كثرة الخيانة و قلّة الحب الحقيقي و شيوع الفساد , تردّد معه عرتلانة الكلمات بكل تخشّع و لسان حالها لا يقول شيئا لأنه أخرس , أما أنا فانشغلت بتعديل النرجيلة و اختيار النكهة المناسبة من المعسّل . .
صار مكاننا فوضويّا بما تحمل كلمة الفوضى من معانٍ , كثُرت أعقاب لفافات الحشيش و عُلب العصير و قناني الخمر الفارغة و أغلفة بعض المأكولات و نحن متكئين ببؤس بعد أن خرّت قوى كلٍّ منّا . .
من بعيدٍ قريب تراءت لي مجموعة من الصعاليك قادمة إلينا , كانوا أربعة من الشباب و كلّهم مسلّحين بالسكاكين الكبيرة و السواطير . . تخلعت أنا . . تزعزعت . . قلبي يدقّ على حلقي ليفتح له باب الخروج و سروالي تبلّل و عقلي تبلبل و أملى عليّ أن أستسلم لميتة بشعة .. فجأة ناداني صوتٌ باطنيّ من عُمق التفكير الجهنّمي السحيق قائلا : هرول هرول هرول و لا تلتفت وراءك مهما حدث . . .و ذاك ما فعلت , لحق بي أحدهم و ما أمسكني لِعدوي السّريع خوفا على نفسي من الذّبح و الفناء المُشين
حاصرت العصابة عرتلانة هناك و اعتدوا عليها ضربا و اغتصابا و تنكيلا و شرموا لها أذنها و فقؤوا عينها و قطعوا لها شَعرها و أزالوا لها ضِرسا و نابا و مزّقوا لها ثيابها . . أخذو الدراجة و الهاتفين و سلسلة ذهبية كانت تملكها و حتّى الساطور الذي كان دائما بحوزتي . .
0 التعليقات :
إرسال تعليق