الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

سلعوة من طينة الوقاحة


• شابّ قام بخطبة فتاة من والديها بعد معرفتها عن طريق والدته . . حفل الزّفاف بعد أيام قليلة و كلّ شيئ على ما يُرام , الشّاب سعيد بحبيبته التي لا يفصلُه عنها سوى عُرس بهيج دعى إليه أحبابه و أصحابه و زملاء العمل . . اشترى مسكناً اقتصاديا و أثّثه بكل ما طلبته منه خطيبته الّتي أصبحت أثمن من نفسها بتلك الحِليّ و المجوهرات التي ألبسها إياها , بداية من خاتم الخطوبة إلى دمالج و سلاسل و أقراط و كلها من نوعية الذهب الممتاز . . في برنامجه رحلة شهر عسل إلى كينيا و براريها إرضاءا لزوجته المستقبلية , نفقات الرحلة كلّها تكلّف ربّ عمله بها
الأيام كالجراد أحياناً , ها هو الحفل لم يتبقى له سوى أربع نهارات و مثلهم من اللّيالي . . قبل ثلاث أيام على المناسبة البهيجة توقّف الزمن و طال الأمد و خنقت الرمال ساعات الرمل و تكسّرت العقارب التي لم تعُد تشير إلى شيء سوى لحادثة غيّرت خرائط حياة شابّ طموح . .
في يومه الخميس , انتهى صديقنا أحمد من العمل و خرج رفقة أخ صديقه الذي يعمل معه في نفس الشركة و أخذا سيارة أجرة كبيرة كالعادة عائدين إلى البيت . . هم جيران و أبناء نفس الحيّ . . توفيق دعى أحمد إلى بيتهم و هذا الأخير رفض رفضا جازما بذريعة أنّ والدته مريضة و من الضروري أن يكون إلى جانبها _ خصوصا أن حفل الزفاف لم يتبقى له سوى ثلاث ليالي و نهارين _ لكنّ توفيق أصرّ على أحمد و رماه بعار اللبن الذي رضع من والدته _ أحمد أخ لعزيز شقيق توفيق الأكبر من الرّضاعة _ , استعمل كلّ الوسائل الإقناعية حتى استطاع منه و اتّجها صوب بيت توفيق الفارغ من الأهل بعد سفر الأسرة إلى البادية . .
اعطى توفيق مفتاح البيت إلى أحمد و اتّجه هو إلى بقّال الحي لاقتناء حاجياته من الطعام . . فتح أحمد الباب و دخل بشكل عادي إلى البيت فإذا به يسمع صوتاً قادما من بعيد . . تلكّأ و عاد بخطوات متباطئة إلى الخلف و حاول الانصات بتركيز إلى صوت القهقهة التي لا تخفى عليه , تحدّث في أعماقه إلى نفسه : ربّما هي والدة توفيق عادت إلى البيت ؟!! . .
انتظر أحمد حتى لحق به توفيق فأشار أحمد إلى أن هناك أحد ما داخل البيت . . دخل توفيق قائلا : ربّما هو عزيز عاد من عمله _ عزيز هو صديق أحمد المفضل و أخوه من الرضاعة و وزيره الذي عَيّنه لعُرسه _ دخل أحمد و اتّجه صوب مصدر الصوت , ممرّ ضيّق في نهايته بيت النوم الخاص بوالديّ توفيق . . وقف على عتبة المدخل واضعا يدهُ على مِقبض الباب . . أدار المقبض و دفع الباب كي يُفزع صديقه بشكل مفاجئ بصرخة صِبيانية " بوووووووع " فإذا بانتصار المهزومة و عزيز الرّعديد يصرخان بصوت أعلى مفزوعين و الدّهشة كشفت غطاءا آخر للوقاحة و العيون مسمّرة جاحظة في لاوعي العقول الحقيرة . .
انتصار خطيبة أحمد في أحضان عزيز صديق أحمد و أخوه من الرضاعة , و أحمد صار تمثالا لا روح فيه يشاهد فقط أغرب ما لا يُمكن أن يخطر على بال أحد من البشر . . انتصار جرّت إليها أطراف اللّحاف لتستر و هي ترتعد و خاتم الخطوبة الذي خَتَّمها به أحمد لا يزال على بنصرها . .
بعد كلّ ما رآه بأمّي عينيه , خَرج أحمد بسرعة البرق من البيت مهرولا غير آبه بنداءات توفيق الذي دخل الغرفة و شاهد ما شاهد من خيانة للصداقة و خذلان و وقاحة و دناءة البشر التي تجلّت في أبهى حلّة , و هتك لأعراض الإنسانية وهرق لدماء الشرف و العفّة و غدر الأقرباء و انكسار مرايات الحياء . . . هي الدّياثة و العُهر . . كيف لإنسان أن يقابل مزيدا من وجوه البشر بعد أن فعل فعلته الشنيعة ؟!!!
دخل أحمد بيتهم مُتجهّما مختنقا مُختلط الأوراق مُتغيّر الملامح . . وقف في باب البيت , أخته تشاهد التلفاز و أمّه المُتّكئة بقربها اندهشت من حالة ابنها الذي يبدو أنه يُحتضر واقفا
سقط أحمد جُثّة هامدة دون حراك فتبعته صرخة أم مكلومة في قرة عينيها , أمل تضع أذنها على قلب أخٍ هو مُعيل الأسرة الوحيد . . قلب متوقف لا ينبض عكس قلب أمل المتسارع النّبض , و الأم تندب و تضرب الخدود و تشقّ الثوب و نحيبها أتى بأبعد الجيران
اقتحمت جموعٌ من الناس بيت أحمد للاطلاع على ما يحدث و لما هذا العويل و الصراخ و العياط . . تقدّم سي عبد السلام و جار آخر و حملا أحمد بعد فحص يدويّ و وضعاه في سيارة خاصة . . وصلوا إلى مستشفى المدينة و أدخلوه في عجل مُتمسّكين بأمل بقائه على قيد الحياة
إنها حالة عاجلة و المريض كقطعة خشب لا يُحرّك ساكنا .. أُدخل سيارة إسعاف مجهّزة و رُكّبت إليه بعض الأجهزة و التّنفس الصّناعي و انطلقت الإسعاف نحو المستشفى الجامعي ابن سينا تأكل من الطريق بشراهة . .
بعد خمسة و أربعون يوما استفاق أحمد من غيبوبة هُدّ فيها جسده و صار كالمومياء المُحنّطة و بدأ يُحملق و يدير عيناه في كل الاتجاهات بالغرفة إلى أن عرف أنه بالمشفى .. حاول النّهوض من على السّرير و نزع تلك الأنابيب المعلّقة حوله و المشدودة إليه كما هو إليها . . دخلت الممرضة لتفاجأ بأحمد في كامل وعيه فمنعته النهوض و نادت الطبيب الذي حضر و عاين بأم عيناه أحمد يتكلّم بشكل عادي و يستفسر لماذا هو هنا و يريد المغادرة لأن العمل ينتظره في الصباح الباكر , ضحك الدكتور و هنّأ أحمد على الحياة الجديدة التي منحه الله . . بعد أن علم مكوثه خمسا و أربعين يوما شبه ميّت بدأ بالبكاء . . . . ليس بكاءا عاديا , بكاء بحرقة و مرارة لأن المشهد الذي تسبب له في أزمته هاته تصوّر أمامه
في صباح اليوم الموالي لاستفاقة أحمد من الغيبوبة جاءت الأم _ كانت تحضر يوميا و تتفقّد جثة ابنها و تُذرف الدمع و تودّعه و تغادر _ و لكن هذا اليوم ليس كأيام الشهر و شطره الفائتين , فأحمد حيّ يرزق و هو في صحة جيّدة رغم أن البدن مهلوك تماما و الحركة تكاد تنمحي بعد هذا الجمود الطويل لجسده النحيف و الذي ازداد نحافة . .
دخلت أمّه و عانقته و بكت و بكى حتى خرّت قواه و اشتدّ به القهر , و عادت تلك الصورة و تجسّدت بين ناظريه فاستبكتهُ أكثر و بطريقة هيستيرية كبكاء الصبي في المهد . . مساءاً بعد أن علم الأهل و الأصحاب و الأقرباء و الجيران و زملاء العمل و ربّ العمل بخبر تجاوز أحمد للغيبوبة الطويلة بسلام و عودته إلى الحياة , حضرت العشرات من الناس لعيادته . . . هو لا يزال في غُرفة الإنعاش و الزائرين يشاهدونه فقط من نافذة زجاجية مُخصّصة
من ضمن الحضور يوجد صديقه و أخوه بالرضاعة و طاعنه و غادره عزيز , و كذلك توجد انتصار الحقيرة خائنته و طاعنته بأشدّ الأسلحة تمزيقا للقلوب و العقول . . إنّهما معا . . مُمسكان بأيدي بعضهما البعض و واقفين مع البقية في انتظار الاطمئنان على صحة أحمد
ما إن وقفا أمام المريض مباشرة حتّى صاح أحمد و بدأ بالصراخ بكل ما أوتي من القوّة التي لم يتبقى منها شيئ : سيروووو فحاالكم , بعدوووووا مني , دعيتكم لله سيرووووا يا ولاد * * * . . كان يصرخ بهستيرية و بألفاظ و كلمات نابية غير ما اعتاده الناس
طلب الدكتور من الجميع مغادرة القاعة لأن حالة المريض لا تسمح له بأكثر من هذا , و بدأوا يهدّؤنه من حالته الجنونية هاته .. طلب أمه فقط التي دخلت و أخذت كرسيّا برغبته و صار يسرد لها كل شيئ
بعد أن حكى كل شيئ لأمه التي لم تُصدّق أنه رغم كلّ هذا لا يزال أحمد حيّا يُرزق و لم يُصبه من الأمراض المزمنة شيئ . . كيف لها أن تهضم مثلا هذا الفعل الشنيع و من إنسان كانت تثق فيه و إنسانة هي من اقترحتها على ابنها لتكون عروس بمتابة ابنتها في بيتها !!
خرجت الأم و الجموع من الناس هناك في بهو شاسع للانتظار و اتّجهت صوب الثنائي الحقير , لم تلحظ انتصار الخائبة شيئا إلا و الدماء تسيل من على خدّها , لقد خمشتها بأظافرها مُحدثة لها جُرحا غائرا غيّر ملامح وجهها و شدّتها إليها من شعرها _ تفووو داير بحال الجيكسة تاع السلك _ و أسقطتها أرضا تحت أنظار عزيز الذليل الحقير الذي حاول فضّ معركة هو طرف فيها لقد كانت تشتف و تُهيتف عليها , فأمّ أحمد رغم تمكّن المرض منها إلا أنها في صحة و عافية الفحول و هذا ما ألهمها طاقة إضافية بها وجّهت صفعة إلى وغد كانت تعتبره ابنا لها و تضعه بمقام أحمد . .
فضحتهما أمام الحضور و علمت بعد ذلك أنهما تزوّجا سرّاً , و أن السلعوة و الوغد ينتظران مولوداً تكوّن خارج أصوار الزواج الشرعي و القانوني
ربّما انتهت القصة , و لكنّها لن تنتهي بالنسبة لأحمد و السلعوة و الغدّار ما دامت الوجوه تلتقي بشكل يوميّ تقريبا , لأنهم جيران في نفس الحي . . هذه الواقعة حدثت في أواخر سنة 2012 ميلادي . . الآن أحمد بعد تجاوزه للهزّة النفسية التي ألمّت به قام بخطبة فتاة أعرفها أنا حقّ المعرفة . . تعرّف عليها بطريقة غريبة و طريفة , لأنّهما كانا مُقدّرين لبعضهما بعد فشل زواجها هي الأخرى من شابّ خائن غدّار


10/09/2014


الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014

مشهد


ذات صباح من صباحات المواطن المغربي العادي , قصدت المُقاطعة للحصول على وثيقة إدارية . . كان صباحاً شديد الحرارة و شمسُه اللاذعة تلفح الحيّ و الشّيئ . . الكُلّ على أعصابه , فائر , غاضب , متوتّر , مُكبّل بخيوط الملل , على شفير مشادّات كلامية لأتفه الأمور . . الموظّف متجهّم في وجه المواطن البائس الراغب فقط في قضاء مصلحته و المغادرة بسرعة من تزمّت الإدارة بجوّها و حيّها و شيئها . . و المواطن ما عليه إلا تصنّع الصّبر كي يحصل على مأربه و يغادر بسلام
مكتب يواجه مكتب و آخر عموديّ على السابقين في نهاية دهليز شبيه بدروب الأحياء العتيقة , و في كلّ مكتب مكتبين للواحد منهما مقعدين و بضع وُريقات و وثائق موضوعة بمعية عدد من أختام الدّولة على سطحه . .
دخلتُ مكتب تسليم نُسخ عقود الازدياد , إنّه مملوء بالبشر حدّ التُّخمة , الوُقوف المُتصافّون كالجُندِ أقلُّ عدداً من الجُلوس على الضّص الذين يفترشون وثائقهم أو أحذيتهم لعدم توفّر مقاعد الانتظار . . يُقابل مدخل المكتب نافذة مفتوحة على مصراعيها تُطلُّ على سقّاية بصنبور واحد بمحاذاة شجرة تين لا يُستفاذ منها إلا ظُلّتها
الموظف الأصلع ذو الشّارب الكثّ بدا عليه العياء , أصابعُه لم تعُد تقوى على الإمساك بذاك القلم الذي يبدو أنّ له معه قصصا و حكايات لا يعُدُّها و يحصيها إلا مُتفرّغ لكلّ الفراغات الفارغة , وضع القلم و شبك أصابع يديه مع بعض فَعَلاَ صوتُ طقطقة أوحت أن التّشنّج أصاب الأصابع و باقي العضلات و الأطراف . . أخذ سجارة من على أذنه اليسرى و لوّح بيده إلى زميله الذي يقابله بعد أن همهم مناديا عليه ليمُدّه بالقدّاحة . . أضرم ناراً كالتي تسعّرت في دماغه و جسده الذي يتصبّب عرَقاً في تلك القاتلة الحقيرة . . أدخل ما أدخل من دخّانها في جوفه لتخريب تلك الإسفنجة النّاقلة للهواء الجوّي إلى مجرى الدم و تخليصه من ثنائي أوكسيد الكربون اللاّمفيذ للجسم , ثُمّ نفث في جوّ الغُرفة الصغيرة غَماماً غطّى الأجواء و عكّرها , بل هو سحاب رُكاميّ زاد من تزمّت الوسط , و ابتزّ بذلك المواطن الذي رٌبّما يعاني حساسية مُفرطة من هذه الروائح المميتة _ حتّى و إن لم تكن هناك حساسية من رائحة دخّان المدخّن فهي تبقى مُضرة مميتة _ . .
ازداد الغيظ غيظاً , و تعب الموظّف من روتينه المُمِلّ الذي يتمحور فقط حول تعبئة نُسخ عقود الازدياد بمُعطيات منقولة من كُنّاشات الحالة المدنية و الختم و التوقيع و لمّ درهمين مقابل كلّ طابع بريدي و الصبر لم يعد له صبرٌ عند المواطن العجول في قضاء أغراضه و لو بسَكْب كوب قهوة على رأس الموظف كي يُقدّمه عن البقية
إلى حدود هذه الأسطر السابقة , كل شيئ يبدو عاديا و السماء كالقلوب الطاهرة صافية
الحدث """""""
امرأة متوسّطة العُمر و القدّ , خَتَم الزّمن على وجهها المُقْمَطِرّ معاني التّعاسة و الشّقاء , لا يبدو أنها في السّن الظاهر عليها إذا نظرت خلف ملامحها البريئة , إنّها أصغر من عُمرها بكثير , يا للشّقاوة و يا لغدرك أيّها الدّهر المُجرّد من الرحمة يرافق السّيدة صبيّ لا يتعدّى الثلاث شِتاءات و الراجح أنّه ابنها , إنّه يصرخ و يتمتم بكلام لأمّه مفاذه " لنخرج من هذا المكان " و أمّه تهدّؤه بتلطّف و رِفقٍ و صبرُها في أطواره النّهائية للفناء . . ارتفع بكاء الصبي و كثُرت الهمهمات و اللغيط و الجلبة السّوقية سيطرت على الجوّ , افإذا بأحد الموظّفين يصرخ حتى قارب على قطع حباله الصوتية : " سَكّتونا يا الزّمر و سكتو عليا هاذ البجغوط و لا خرجوه " . . فما كان من الأم إلا أن هَوَت بكفّ من صًلب على ظهر ذاك المشاغب المشاكس الذي أوقدَها غضباً " خربلااااااط " !! . . زاد بكاء الصّبي عن حدّه و اختلطت دموعه بخُنانه و أخرج كلمة وااضحة شفّافة ناهراً والدته بها " ابتعدي عنّي أيتها العاهرة " و كانت كلمة زنقاوية هابطة . . عمّ صمتٌ رهيب كأن الموت حصد الكلّ إلا من ثغاء البعلوك الذي تمادى بكلمات أكثر وقاحة , فجأة خربقته أمه بلكمات و كفوف يسارية و يمينية من أسفله و أعلاه _ بطّنته و سلخته من المزيان _ حتّى انتزعته منها امرأة أخرى كي لا تقتله أو تُيبه بعاهة لقدّر الله

محمد لخبيزي العامري

10/09/2014

-----------------