الجمعة، 5 ديسمبر 2014

الجَّطِّيوة



وصلتُ الجَّطِّيوةَ فعنڤجتُها دون لمسِ 
صاح ديك الفجر قبل شروق الشمسِ
و زقزقت بلابل الصّباح . . 
الضّجيج معدوم 
و الكلام بالهمسِ
يوم جديد . .
بين لِينٍ و يُبس

تبسّمت السّماء
ضحكت شمسُها
سكن رعدها
و خفَتَ برقُها
بعدَ بُكاء أمسِ !!

تلاشت سُحبُها الرّكاميّة
سيِّدةُ السّواد الدِّبسِ
سلطانة الكآبة
و مخالفة الرّبابة

أمّـا أنا !!

فـ لا زِلتُ على شطّ صراعٍ
عتيقٍ . .
بيني و بين نفسي
هي الأمّارة المُزيّنة
هي الدّافعة بي .
إلى كلّ شُبهة . .
إلى كُلِّ لُبس !!

كُنت أغُطّ تحت أنقاضِ نوم سحيق في بساتين الأحلام , أشتمّ عبق الورود و أُمتّع عيناي بجمالها , حتّى غافلتْني أفعى من واد العقارب و الحيّات , فَحَّت بعد أن تلوّت و من جسدي تمكّنت , كسَّرت عِظامي و جوفي عَصَرت , عضّت رقبتي و في قلبي سمّها نفثت . . نادت على رفيقتها فَحضرَت , إذْ هي عقربٌ كالجبل قد نَبَتَت , صَمَّت أُذناي عندما صَوَّتَت , فانطفَتْتُ كنار مِجمَرٍ خَمَدت , رفعَت شَوكة ذيلها حتّى رفَعت , و هَوَت بها على ما تبَقَّى منّي . .
و هل ينفع صراخي و الشّفاه نشفت ؟
و هل ينفع بكائي و المدامع نضبت ؟
و هل يُفيذني النّدم إنِ الحكاية خُتِمت ؟
أنا الآن أسيرُها الذي حبَسَت
ضحيّتُها الذي وجدت
فريستُها . .
صَريعُها الذي قَتلت

عنها بحثتُ و aبحثَت
فكان لها ما أرادت
و أنا خِبتُ بعد أن نَجَحَت . .

وصلتُ الجَّطِّيوَةَ التي عظُمت
فَهَوَيتُ لِرُعونتي
و صغُرت من جديد
و القمّة عنّي قد بَعُدَت !!


الجَّطِّيوة

الخميس، 27 نوفمبر 2014

المغرب طار ليه الفريّخ



المُغرب طار ليه الفْرَيَّخْ 
دمّ شعبو فْ أرضو مْسيَّحْ
المناضل يغوّت و يحيَّحْ
المسؤول مْتَكِّي مريَّحْ
الشَّعب منكوب مجيَّحْ
حقّو جرح قديم مْقَيَّحْ

_ _ _ _ _ _ _ _

يا من بحّ صوتُه مُدافعاً عن المواطن المستضعف
يا من يقود حملات النضال باسم الشعب من أجل الشعب
يا سيّدي
يا صارخاً في وجه الظلم و الحكرة و القمع
أيّها البطل القومي المتمرّد على القانون
أيّها المدافع عن الحق
أيها الحر
يا مُطالبا بتوفير العيش الكريم و العمل الكريم للمواطن الكريم
يا من يذود عن وطنه بالروح و الدّم
.
.
تيقَّن أنّهُ . .
إذا أعطتك الدولة منصبا و ضمّك المخزن إلى أحضانه , ستصير نارا ملتهبة تحرق كلّ من سار على خطاك إلى أن تُصبح قطعة فحم يحملها مناضل آخر و يرسم بها خريطة نضال أخرى على جدار شعبٍ جاهل يستغلّه المُناضلون قبل المخزن و الحكومات . .

_________

المرأة المغربية قضية كضَرعٍ يُدرّ لبناً وفيرا على من يُحسن حلبه
الشاب المغربي صندوق يحوي كنزاً ثمينا لكل مناضل
الطفل المغربي ملفٌّ فيه أرزاق تجار من عالم آخر
الدّين صار قفّة بها طعامٌ يكفي خلقاً كثيراً
الفقر لا شكّ أنه ضالّة كل مناضل مُدافع عن حقوق الإنسان و ذاكشي
_________
.
المُناضل المغربي أخطر على المواطن المُستضعف الجاهل من زرواطة المخزن , لأنّه يمارس النصب و الاحتيال بطُرُقٍ مُستَحمِرة للانسان الجاهل و يُحسن استغلال قضايا المُستضعفين للربح و الربح و الربح . . .
.
.
المهنة : منادل



27/11/2014

السبت، 8 نوفمبر 2014

يَومٌ فِي الغَابة مَع صَاحْبْتِي


حضّرتُ ما يلزم من أكل و شُربٍ و وسائل للتّرفيه , عبّأت خزّان الدراجة بما يكفي من بنزين , و انتظرت مكالمة منها أو رسالة نصية قصيرة تُحدّد فيها المكان الذي ستكون به و زمانه . .
اتّصلت أخت صديقي بي هاتفيا :
_ أهلا عرتلانة . . ما هذا التأخر بالله عليك ؟!

= ألوو بُعرلان , أنا الآن قرب صيدلية الأمراض بالجهة الشمالية لمسجد الجّامع , أينك الآن ؟

_ آااه , حسنا انتظريني هناك , أنا أتٍ بسرعة إليك حبيبتي المشاكسة

أخذتُ الدراجة و انطلقتُ إلى المكان الذي حدّدَت عرتلانة . .
وصلتُ في الوقت المناسب . . تبادلنا التحية و السلام و ذاكشي , ثُمّ أردفتُها خلفي على الدراجة بعدَ أن دسّت رأسها الشبيه بجذور الكرافص داخل الخوذة , و اتكأتْ على ظهري المقعّر لأني دَفعتُ حينها بِصدري إلى الأمام لأظهر أمام الرائح و القادم مُبودَراً و صحيحاً
عانقتني بأسلوب فظٍّ غليض جَعَلني أتبوّقُ و أرفعُ , و عِطرها النّتن دوّخني , و دقنُها الحديثُ الحلاقة الذي وضعتُه على كتفي وخزني كوخز الدّبّور لأنف الجعبور . .
هذه الفتاة طائشة مشاكسة , تركبُ الأهوال بدون أن تُفكّر في العواقب أو ما بعدها , و خرجتي هذه معها ليست إلا خرجة كباقي خَرَجاتي مع قريناتها الطائشات من بنات الحي و أخوات الأصدقاء و تلميذات الثانويات و الإعداديات و حتى اللائي أصطادهنّ في الشواطئ و المركبات الثقافية و السوليمات و الحدائق العمومية و الشوارع و الأماكن العمومية و الفيسبوك و ما إلى ذلك من أماكن قنص اللطيفات المعنفجات ...

و أنا أسوق الدراجة صوبَ الغابة القريبة بمعية " صَاحْبْتي " الجديدة , شرد ذِهني بعيدا بعيدا و صِرت أخيط و أرقّع في سروال الحدث بكلّ بلاهة , معي من الأكل ما يُشبع البطنين و من الشراب و الخمر ما يُغيّب العقلين و من السجائر و الحشيش ما يُهيّج النفسين و من الموسيقى ما يُنشّط الجسدين . .
كانت تهمهم بكلمات مطموسةٌ أذناي عن سماعها , و كُنت أتخيّل عرضاً ساحرا مسبوقاً بمقدّمة سُريالية مختومة بيومٍ مُدهش . .

وصلنا . .
كانت وحشة المدخل توحي بأن الغابة خاوية من البشر , إلا قلة قليلة من الرياضين الذين يعشقون العَدو هنا و ممارسة حركاتهم الرياضية التسخينية , أو بعض العُشّاق المندسّين وراء الأعشاب و جذوع الشجر و حتى بين أحضان الحُفر يعيشون حُبّ هذا الزّمن العجيب ..
ترجّلنا عن الدراجة التي قُمت بدفعها , و مشينا نحو مكان بدا لي من بعيد مناسبا , متبادلين أطراف حديث تافه لا جدوى منه

أزلتُ سُترتي . . فرشتُها و أَشَرتُ لِـعرتلانة بالجلوس , أخرجتُ الطّعام و الشراب و قنينة النرجيلة و عُلبة السجائر و قضيب الحشيش المغربي من مُخزن الدراجة و جلستُ بقرب الفتاة . . شغّلتُ أغنية راي رومانسية من الهاتف , كان مقطع عرتلانة المفضّل , يتذمّر فيه المغني من كثرة الخيانة و قلّة الحب الحقيقي و شيوع الفساد , تردّد معه عرتلانة الكلمات بكل تخشّع و لسان حالها لا يقول شيئا لأنه أخرس , أما أنا فانشغلت بتعديل النرجيلة و اختيار النكهة المناسبة من المعسّل . .

صار مكاننا فوضويّا بما تحمل كلمة الفوضى من معانٍ , كثُرت أعقاب لفافات الحشيش و عُلب العصير و قناني الخمر الفارغة و أغلفة بعض المأكولات و نحن متكئين ببؤس بعد أن خرّت قوى كلٍّ منّا . .

من بعيدٍ قريب تراءت لي مجموعة من الصعاليك قادمة إلينا , كانوا أربعة من الشباب و كلّهم مسلّحين بالسكاكين الكبيرة و السواطير . . تخلعت أنا . . تزعزعت . . قلبي يدقّ على حلقي ليفتح له باب الخروج و سروالي تبلّل و عقلي تبلبل و أملى عليّ أن أستسلم لميتة بشعة .. فجأة ناداني صوتٌ باطنيّ من عُمق التفكير الجهنّمي السحيق قائلا : هرول هرول هرول و لا تلتفت وراءك مهما حدث . . .و ذاك ما فعلت , لحق بي أحدهم و ما أمسكني لِعدوي السّريع خوفا على نفسي من الذّبح و الفناء المُشين

حاصرت العصابة عرتلانة هناك و اعتدوا عليها ضربا و اغتصابا و تنكيلا و شرموا لها أذنها و فقؤوا عينها و قطعوا لها شَعرها و أزالوا لها ضِرسا و نابا و مزّقوا لها ثيابها . . أخذو الدراجة و الهاتفين و سلسلة ذهبية كانت تملكها و حتّى الساطور الذي كان دائما بحوزتي . .

بعد أن غادروا , اتجهت إليها , ز سألتها عن حالها , و هل قاموا بإيذائها أم ماذا حدث ؟؟!!

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

فَصلٌ كئِيب



أَيُّهَا العَـابِر اللّطيف . .
يَا مَنْ أَسْمَوكَ الخَرِيف !!
يَـا قِطَار كَشف الحقِيقَة السَّريع
يا حفيدَ وجَدِّ الرّبيعِ

يا ابنَ عَدوِّ خَضرةِ جدِّك
ابنُك وارِثُك . . .
سَينقُلُ نَضـارةَ جدّهِ لابنه ;
حَفِــدُك

فيكَ ما فيكَ . .

تتكشّف الأشجار الغاضبة
تُسقط الأَورَاق
و الغصون الهامدة ;
تطرُدُ العصَافير
و تَبقَى بَاسِقةً صَامِدة

تنكَسِر سِيقانُ الحقِيقة . .
فتبكي الحقيقَة
كسمائك الحزينة
بذاكرة الكِبرياء لصيقة

لا هي تشكو !!
و لا هي باسمة رقيقة
صفاءُ صيفها يزول
بِلِسانِ حالٍ يقول :
ولّى البزوغ . . أقبل الأُفول
بُكَائي قريبٌ قريب. .

و أنتَ أيّها الخريف
فصلٌ كئيب
واقعيّتُك ألَمُهم الخفيف
و صراحَتُك . .
هَمُّهُم العنيف

أوراقُ الخَريف
تسقُط . .و تُسَبَّق
بعد أن تصفرَّ و تشْحَب
كَزَيفِ كلامِ البشرِ . .
المُنَمَّق

كاذبَةٌ أَمطَارُك يا خَريف ;
على التُّراب . .
على الزَّهرِ . .
على الحزين .. .
و سَجين الفقرِ . .
مِن بُؤسِ الحياةِ من القَهرِ
مِن كيدِ الجَائر
من صَاحِب الغَدرِ

كئيبٌ طَقسُك
لطيفَةٌ رياحُك تهُبّ
و شَمسُك . .
و السُّحُب

أمّا الغمّة و السُّرور
فهُما زوجَين
في ميزانِ الدَّهرِ رفيقين
يظهرانِ تارَةً عاشقين
و أُخرى يختفي العِشقُ و يَختَفيان
فلا تنتظر طلاقَهُما يا إنسان !!

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

قبو العشق ( قصة ) | الحلقة 1 و 2 و 3



الجزء الأول

صديقة يهودية مدمنة على شرب السجارة , لم أصادف ذكرا لاثما لتلك القاتلة كهذه الصديقة , أخبرتها يوما أني لا أطيق دخّان السجائر , و أني أختنق كلّما استنشقتُ هواءا عكّرته سُحب الدّخان ذاك . . فما كان عليها إلا أن منعت نفسها عن التدخين في حضرتي و وجودي معهم .. هي فتاة ثلاثينية شقراء , تعمل كمحاسبة في وكالة بنكية من أبناك الربا المنتشرة طولا و عرضا في تراب المغرب الإسلامي , سيّارتها الفخمة التي يوازي ثمنها أكثر من ستّ أكواخ فاخرة بحيّي الصفيحي مثيرة جدّا , و علامتها الشهيرة بجودة الإنتاج في العالم خير دليل . . تقريبا كل شيئ عندها مباح , لا قيود و لا حدود قد تمنعها من الاستمتاع بأي شيئ كان و في أي زمكان ;
ذات يوم ; اقترحت عليّ مرافقتها و ثلّة من أصدقائها و صديقاتها إلى مدينة ساحلية في جولة شبه سياحية إلى شاطئ من شواطئ الأطلسي , شتّان بيني و بينهم طبقيّا في المجتمع , هم من هناك و لا أرى أمثالهم إلا في الأفلام و المسلسلات الأجنبية التي تُعرض في الفضائيات العربية , و أنا من هنا , لا يرون أمثالي إلا في الريبورتاجات الإخبارية المغربية و الأفلام الوثائقية التي تروي حيات البائسين من البشر الذين جار عليهم الزمن . .
حدّدوا اليوم و ساعة الانطلاق و الوِجهة. . و كانت الانطلاقة في صبيحة سبت انسلخت لتوّها من ليلها , سيّارتين فخمتين و ثلاث فتيات و نحن ثلاث شاب ,
أنا مع شيماء في سيارتها و الرفاق في السيارة الأخرى , كأننا في موكب رسميّ خُصّ لشخصية ديبلوماسية غبية , و بما أني أصاب بدوار حركة وسائل النقل , فلم آكل شيئا هذا الصباح , بل لم أتعشى إلا بالقليل من التفكير في موضوع التقيّؤ بقلب هذا البلاط الملكي المتحرّك على عجلات أربع , كنت صامتا متكئا على مقعدي كالمومياوات الفرعونية تحت حزام الأمان الكاذب , و كانت صديقتي البورجوازية تسألني بين الفينة و الأخرى عن أموري و أحوالي الشخصية و أنا غارق في التفكير بجديّة في المصيبة القادمة , و حال نفسي يقول : سأصبر , فهذه المسافة قصيرة , و أنا لم آكل شيئا أصلا و لن يكون هناك تقيؤ أتخيّله و حسب . . !! أعراض الدوار تَستعرض عضلاتها أمامي و الدوخة و الغثيان يسيطران عليّ و جهازي الهضمي يهضم اللاشيئ كي يزيد الطين بلّة , و هكذا بقيت شاردا عنها و هي تستمتع بموسيقاها المختارة , كان المعتوه بوب مارلي مالئا الأجواء بصوته الخشن المعوجّ و مقطع One love يُعاد و يعاد , و هي تردّد معه بكلّ تخشّع و بدون أي ملل One Love! One Heart! . . . Let's get together and feel all right
أمّا أنا فصرت أغني في نفسي : ما تغدرينيش و يا الخدّاعة , راكي خاوية و باغية غير تفرشيني مع الصديقة ♫ ♫ . . محاولا تهديئي و التخلص من وهم " التبويعة " و لكن دون جدوى , لقد فات الأوان و لم يعد بودّي إلا أخذ الكيس البلاستيكي الذي حشوته في جيبي احتياطيا و فتحته ملء وجهي , و بدأت سنفونية التبعبيع و التوعويع لأخراج ما ليس موجودا في جوفي , كما لو أني أريد إخراج المعدة و الأمعاء و باقي أعضاء الجهاز الهضمي رغما عنهم و عنّي , و شيماء بدأت في الضحك بشكل غريب و أمدّتني بعقار قائلة لي أنه مفيذ لمثل هذه الحالات . . لقد تفرشت و الطريق لا يزال طويلا . . . 


الجزء الثاني


. . ابتلعت العقار متبوعا بقنينة كاملة من دانابّ , فارتحت قليلا و اختفى الدّوار و صداع الرّأس , و أعدتُ الكيس البلاستيكي من حيث أخذتهُ . . أدرت وجهي بتعامد مع صدري صوب شيماء , و شكرتها على تدخّلها فاتحا باب نقاش من النقاشات التافهة لتغيير و تلطيف الجو الذي عكّرته بتلك الحركة الغبية اللاإرادية
سألتها عن المسافة التي قطعناها و التي بقيت 
سألتها عن الوقت
سألتها و سألتها أسئلة اعتباطية تتأرجح بين المعقول و التفاهة
و كان بوب مارلي لا يزال ينبح عن حب واحد و قلب واحد و ذاكشي , و هي تردّد معه إلى أن رميتها بسؤال أغلقت معه صوت الموسيقى .. قلت لها بكل بساطة هل لك حبيب ؟ ليعمّ صمت رهيب داخل السيارة التي تسير بصمت أكثر رهبة على بساط الطريق السيار , و الأشجار مصطفّة تُحيّينا تحية عسكرية . .
ردّت عليّ :
اسمع يا محمد , اسمعني جيّدا . . أنا فتاة نصف مغربية , و نصفي الآخر في كندا , والدي مغربي الأصل و المنشأ و هو من أسرة مسلمة محافظة , ينحدر من أحد المناطق بالقرب من مدينة فاس , عندما كبُر هاجر إلى الخارج , و حطّ رحاله بكندا حيث وجد هناك عملا , بعد مدّة تعرّف على فتاة يهودية هناك , و الديها ينحدران من الدانمارك و هاجرا للعمل بكندا و استقرّا هناك . .
تزوّجا و أنجبتنني والدتي بعد أشهر قليلة من حفل الزفاف الذي تمّ على الطقوس اليهودية , أسماني والدي شيماء و لم تمانع أمّي , عندما أكملت خمس سنوات , قرّر أبي العوة إلى المغرب و الاستقرار هنا , و حبّذت والدتي الفكرة و لم تمانع . . درست بشكل عادي كل المراحل التعليمية هنا و كنت مغربية مسلمة بالانتماء و حسب
أخذت إجازتي في القانون عندما بلغت الربيع الواحد و العشرين من عمري , و في نفس السنة توفّي والدي في حادث سير مروع , بعدما كان عائدا من العمل ليلا و هو ثمل . . انتقلت بعدها و والدتي إلى العيش في إحدى الضواحي الباريسية التي تحوي اليهود هناك بفرنسا , و هناك عملت كمساعدة لمحامية يهودية مشهورة هناك , و أتممت دراستي في القانون إلى أن حصلت على شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة و قرّرت العودة إلى وطني رغم حملي للجنسية الكندية حيث يقطن جدّاي لوالدتي . . كل هذا فقط لأخبرك صديقي أنني نشيطة بشكل عشوائي , لست مستقرة لا في الدين و لا في الموطن و لا في الأفكار و لا حتى في عواطفي , لأنّني انقلبت على من أحبّني و خذلته , و ما كان كان عليه إلا أن قتل نفسه و مات منتحرا . .

كان كلامها مُرفقا بتعابير الحسرة على وجهها المشرق إلى أن نضحت عيناها بدمع غزير . . أوقفت السيارة بفرملة حادّة سُمع صوتها في الأرجاء , و اتكأت على المقود و أكملت بكاءها الهستيري بنحيب جيّشني إلى ذرف الدّمع على المشهد الذي وقف شعر جسدي له . .
قالت بصوت مرتفع : حتّى أنا كُنت أحبّه , و لكن لم أفكّر في الزواج مثله , أردته صديق أبديّ دون ارتباط بأوراق تافهة , أردته حبيبا و أردت نفسي حرّة في نفس الوقت . .


الجزء الثالث


. . . تدخّلت بينها و بين نفسها مُقاطعا إياها بهدوء : لا عليك يا شيماء , تلك مشيئة الله , و ما حدث حدث و نواحك و تأسّفك لن يُعيداه إلى الحياة من جديد , هو أقدم على قتل نفسه عن جهل , و رعونته أضعَفتهُ حين تجبّر الشيطان , الآن ما عليك إلا التفكير في مستقبلك و حبّذا تغيير السّبيل التي تسلكينها إليه . .

رفعت رأسها من على المقود , و استدارت صوبي مبتسمة مع دموع خفيفة تجري على خذّيها الورديتين , مَعَست عينيها الواسعتين اللتان احمرّتا بالبكاء , و أخذت منديلا ورقيّا نشَّفَت به وجهها , نطقت بكلمة واحدة هي " شكرا " و انطلقت السيارة صوب الوجهة دون أن أنطق أن بأي إضافة ;
شغّلت جهاز الراديو و كانت المحطة هي الإذاعة الوطنية , و على جناح أثيرها أغنية "غير خوذوني " الغيوانية التي تقول :
سيل سيل يا الدم المغدور
تراب الأرض محال ينســـــاك
وحوش الغابة ترهبات منـــك
السم ف الصحاري جافل منك
دم المغدور ما نْسْلّمْ فيــــــــه
حق الظلوم أنا مـــا نــــدوزه
يا طاعني من خلفي . . . موت وحدة هي
غير خودوني . . . لله غير خودونــــــي . . .
الأغنية جميلة , راقتني و راقتها و كُلٌّ منّا يهمهم بشفتيه بصمت مع الكلمات , رغم أني لا أحفظ حرفا إلا أني تظاهرت أمامها بالترديد الغنائي المُصطنع . .
كانت الساعة تشير إلى الثامنة إلاّ دقائق صباحا , و نحن شارفنا على الوصول بعد أن تراءى لنا شاطئ المهدية من بعيد ,
رغم أن الوقت مبكّر , فمحيط المنطقة كان مليئا بالناس , كلّ أنواع الناس هناك , من الصغار حتى الكهول , ذكورا و إناثا , مغاربة و أجانب , و بمختلف الإديولوجيات و المذاهب , و التنوع المتباين في التفكير بين المعتدل و المتزمّت و المنحلّ يُضفي على المكان مُسحة جمالية تجمع بين الانفتاح التام على الغرب و الارتباط الكبير بالأصل . .
وصلنا الشاطئ , نزل الجميع من السيارتين بعد ركنهما في المرآب الخاص بالمكان , حملنا بعض الحقائب و دخلنا حُفاة إلى الرمال , وقفت شيماء متفاوضة مع صاحب الخِيم و بعدها قصدنا خيمة مجهّزة أرشدنا إليها الشاب المكلّف . .
إنه الشاطئ أخيرا , الجوّ لطيف , فرغم أن الشّمس تُنذر بيوم حارّ , إلا أنّ الأمواج الملوّحة لنا تُكذّبها ساخرة منها برغوتها البيضاء
الناس تغدو و تروح , أغلبهم شبه عُراة , و أغلبهم إناث
المظلاّت تُغطّي مساحة على مدّ البصر إذا نظرت من اليمين إلى الشِّمال بشكل عموديّ مع البحر , و الجانب الآخر حدٌّ بالصخور المرصوصة التي تعلوها صخرتان ثوأم منها ينطّ الصغار و الكبار ممن لهم أكباد المرتفعات . .
غيّرت كلّ الفتيات هندامهنّ , و نزع الشباب و أنا أوّلهم القمصان , ليكشف كلّ واحد عضلاته المفتولة , و صدره البارز المليئ بالشعر . . عندما حاولت المقارنة بيني و بينهم كِدت أغرق في خجلي من بنيتي الهزيلة , جسد نحيف و صدر متلكّئ و أضلع امتصّت اللّحم و الجلد , عندها شعرت كأنّه دبيب نمل في عروقي , و وخز إبر على قشرة رأسي . . ابتسمت تلك الابتسامة الأشدّ اصفرارا لتبرز معها أسناني المبعثرة يتقدّمهم قاطعين كرؤوس الأشهاد . .
بدأ الجميع بطلاء المراهم و المساحيق المنوّعة على الوجوه و الأجسام . .
يتبع ..

                   فيسبوك  تويتر  أنستغرام  تيليغرام  يوتيوب 

الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

خاطرة عابرة

تا كنكون غادي و كنتلف على الطريق فاش يعصّبني شي واحد
______________________________________




بُعَيد صلاة الصُّبح , و قبل أن ينزع يومي ثوب ظلامه المُحاك بخيوط الغَبش , قصدتُ سقّاية حيّي الصفيحي لاستقاء حاجتنا اليومية من الماء كالعادة , كانت مصابيح أعمدة الكهرباء العمومية قد أغمضت مُقلها , فاسحةً للطبيعة بسط نورها , و لو بالغياب المُباشر للشمس الضّاحكة بفتور و سُخرية على بلاهة الأهوج الملتحف بذكاء الغباء و انفتاح التخلف
ذاك الأهوج الذي سيّج عقلهُ بأسلاك فلسفة غربية , سُلخت أساسياتها من صدر الإسلام , و حُرّفت حُروف دعائمها بشكل جعلها مربضاً لكلّ من هبّت به رياح الانحلال الأخلاقي , و صار يحلّل و يحرّم و يشرّع و يفتي و يجدّد في دين نزّله ربّ الكون و حفظه إلى يوم يرث الأرض و ما عليها , دين مُذ جاء به خير خلق الله و أكرمهم على وجه البسيطة و العدَاء الكُفريّ يُخيّل إليه أنه يجاريه لدحضه , دين السِّلم و السّلام الذي تسعى كُل جماجم الكُفر المُعتصمة بالشيطان إلى نسب الإرهاب و التخلف إليه و ما وُفّقوا و لن يُوفّقوا أبد الدّهر مهما سعوا . . . فليس كُلُّ من نسبَ نفسه للإسلام مُسلم !!!
ما إن اقتربتُ من السّقاية , حتّى لمحتُ شخصا شاخصاً يتكئ على شبه جدار , و كفَّيه على وجهه في مشهد يوحي أنّه نادم على شيئ و الحسرة تُسيطر . . أكملتُ خُطواتي بشكل عادي , و أخفيت خَوفا هزّ قلبي و رفع من نبضه داخلي , تشوّك كامل جسمي مُتقنفذا و ارتعش كالريشة و صِرت كالهريرة الواقعة في قِدر ماءٍ صقيع , و مع ذلك أبدو باتّاً كالجلمود مُحاولاً تهديئي و جلي كلّ تفكير في السوء
وصلت إلى السقاية , فتحت صنبورا و الدّلو تحته يُملأ , و ذاك الشخص خلفي مباشرة يتمتم بكلمات فهمتُ منها أنه يدعو الله و يطلب الصفح و العفو ممّا اقترفت يداه , كان يبكي بصمت . .
عندما هممت بالمغادرة , ناداني باسمي بصوته الخشن , فاستثقلت رأسي و فشلت ساقاي , و لمحتُ نُجيمات نورها بياض فاقعٌ تظهر و تختفي أمامي , استدرت بوجهي صوبه و الرّعب يدكّني بوساوس التشاؤم من صباح أسود كالليل , لم أجد شيئا , بدأت ألتفت في كل الجهات باحثا عن ذاك الشخص الذي رأيت فلم أجده , لا يمكن أن يختفي في لمح البصر , و في مكان كهذا , لا بناية يختفي وراءها و لا سور و لا شجرة يصعد إليها , فحتّى شبه الجدار لم يعد موجود
فجأة كلّ الصنابير الأربعة بالسقاية فُتحت لوحدها , و قدِم غرابين من الفراغ و حطّا على الأرض و قالا لي بصوت واحد : وا تا نوووض ربط علينا هاذ السلوڭية راه عضّات شحال من واحد أ الزمر وااع :3


الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

سلعوة من طينة الوقاحة


• شابّ قام بخطبة فتاة من والديها بعد معرفتها عن طريق والدته . . حفل الزّفاف بعد أيام قليلة و كلّ شيئ على ما يُرام , الشّاب سعيد بحبيبته التي لا يفصلُه عنها سوى عُرس بهيج دعى إليه أحبابه و أصحابه و زملاء العمل . . اشترى مسكناً اقتصاديا و أثّثه بكل ما طلبته منه خطيبته الّتي أصبحت أثمن من نفسها بتلك الحِليّ و المجوهرات التي ألبسها إياها , بداية من خاتم الخطوبة إلى دمالج و سلاسل و أقراط و كلها من نوعية الذهب الممتاز . . في برنامجه رحلة شهر عسل إلى كينيا و براريها إرضاءا لزوجته المستقبلية , نفقات الرحلة كلّها تكلّف ربّ عمله بها
الأيام كالجراد أحياناً , ها هو الحفل لم يتبقى له سوى أربع نهارات و مثلهم من اللّيالي . . قبل ثلاث أيام على المناسبة البهيجة توقّف الزمن و طال الأمد و خنقت الرمال ساعات الرمل و تكسّرت العقارب التي لم تعُد تشير إلى شيء سوى لحادثة غيّرت خرائط حياة شابّ طموح . .
في يومه الخميس , انتهى صديقنا أحمد من العمل و خرج رفقة أخ صديقه الذي يعمل معه في نفس الشركة و أخذا سيارة أجرة كبيرة كالعادة عائدين إلى البيت . . هم جيران و أبناء نفس الحيّ . . توفيق دعى أحمد إلى بيتهم و هذا الأخير رفض رفضا جازما بذريعة أنّ والدته مريضة و من الضروري أن يكون إلى جانبها _ خصوصا أن حفل الزفاف لم يتبقى له سوى ثلاث ليالي و نهارين _ لكنّ توفيق أصرّ على أحمد و رماه بعار اللبن الذي رضع من والدته _ أحمد أخ لعزيز شقيق توفيق الأكبر من الرّضاعة _ , استعمل كلّ الوسائل الإقناعية حتى استطاع منه و اتّجها صوب بيت توفيق الفارغ من الأهل بعد سفر الأسرة إلى البادية . .
اعطى توفيق مفتاح البيت إلى أحمد و اتّجه هو إلى بقّال الحي لاقتناء حاجياته من الطعام . . فتح أحمد الباب و دخل بشكل عادي إلى البيت فإذا به يسمع صوتاً قادما من بعيد . . تلكّأ و عاد بخطوات متباطئة إلى الخلف و حاول الانصات بتركيز إلى صوت القهقهة التي لا تخفى عليه , تحدّث في أعماقه إلى نفسه : ربّما هي والدة توفيق عادت إلى البيت ؟!! . .
انتظر أحمد حتى لحق به توفيق فأشار أحمد إلى أن هناك أحد ما داخل البيت . . دخل توفيق قائلا : ربّما هو عزيز عاد من عمله _ عزيز هو صديق أحمد المفضل و أخوه من الرضاعة و وزيره الذي عَيّنه لعُرسه _ دخل أحمد و اتّجه صوب مصدر الصوت , ممرّ ضيّق في نهايته بيت النوم الخاص بوالديّ توفيق . . وقف على عتبة المدخل واضعا يدهُ على مِقبض الباب . . أدار المقبض و دفع الباب كي يُفزع صديقه بشكل مفاجئ بصرخة صِبيانية " بوووووووع " فإذا بانتصار المهزومة و عزيز الرّعديد يصرخان بصوت أعلى مفزوعين و الدّهشة كشفت غطاءا آخر للوقاحة و العيون مسمّرة جاحظة في لاوعي العقول الحقيرة . .
انتصار خطيبة أحمد في أحضان عزيز صديق أحمد و أخوه من الرضاعة , و أحمد صار تمثالا لا روح فيه يشاهد فقط أغرب ما لا يُمكن أن يخطر على بال أحد من البشر . . انتصار جرّت إليها أطراف اللّحاف لتستر و هي ترتعد و خاتم الخطوبة الذي خَتَّمها به أحمد لا يزال على بنصرها . .
بعد كلّ ما رآه بأمّي عينيه , خَرج أحمد بسرعة البرق من البيت مهرولا غير آبه بنداءات توفيق الذي دخل الغرفة و شاهد ما شاهد من خيانة للصداقة و خذلان و وقاحة و دناءة البشر التي تجلّت في أبهى حلّة , و هتك لأعراض الإنسانية وهرق لدماء الشرف و العفّة و غدر الأقرباء و انكسار مرايات الحياء . . . هي الدّياثة و العُهر . . كيف لإنسان أن يقابل مزيدا من وجوه البشر بعد أن فعل فعلته الشنيعة ؟!!!
دخل أحمد بيتهم مُتجهّما مختنقا مُختلط الأوراق مُتغيّر الملامح . . وقف في باب البيت , أخته تشاهد التلفاز و أمّه المُتّكئة بقربها اندهشت من حالة ابنها الذي يبدو أنه يُحتضر واقفا
سقط أحمد جُثّة هامدة دون حراك فتبعته صرخة أم مكلومة في قرة عينيها , أمل تضع أذنها على قلب أخٍ هو مُعيل الأسرة الوحيد . . قلب متوقف لا ينبض عكس قلب أمل المتسارع النّبض , و الأم تندب و تضرب الخدود و تشقّ الثوب و نحيبها أتى بأبعد الجيران
اقتحمت جموعٌ من الناس بيت أحمد للاطلاع على ما يحدث و لما هذا العويل و الصراخ و العياط . . تقدّم سي عبد السلام و جار آخر و حملا أحمد بعد فحص يدويّ و وضعاه في سيارة خاصة . . وصلوا إلى مستشفى المدينة و أدخلوه في عجل مُتمسّكين بأمل بقائه على قيد الحياة
إنها حالة عاجلة و المريض كقطعة خشب لا يُحرّك ساكنا .. أُدخل سيارة إسعاف مجهّزة و رُكّبت إليه بعض الأجهزة و التّنفس الصّناعي و انطلقت الإسعاف نحو المستشفى الجامعي ابن سينا تأكل من الطريق بشراهة . .
بعد خمسة و أربعون يوما استفاق أحمد من غيبوبة هُدّ فيها جسده و صار كالمومياء المُحنّطة و بدأ يُحملق و يدير عيناه في كل الاتجاهات بالغرفة إلى أن عرف أنه بالمشفى .. حاول النّهوض من على السّرير و نزع تلك الأنابيب المعلّقة حوله و المشدودة إليه كما هو إليها . . دخلت الممرضة لتفاجأ بأحمد في كامل وعيه فمنعته النهوض و نادت الطبيب الذي حضر و عاين بأم عيناه أحمد يتكلّم بشكل عادي و يستفسر لماذا هو هنا و يريد المغادرة لأن العمل ينتظره في الصباح الباكر , ضحك الدكتور و هنّأ أحمد على الحياة الجديدة التي منحه الله . . بعد أن علم مكوثه خمسا و أربعين يوما شبه ميّت بدأ بالبكاء . . . . ليس بكاءا عاديا , بكاء بحرقة و مرارة لأن المشهد الذي تسبب له في أزمته هاته تصوّر أمامه
في صباح اليوم الموالي لاستفاقة أحمد من الغيبوبة جاءت الأم _ كانت تحضر يوميا و تتفقّد جثة ابنها و تُذرف الدمع و تودّعه و تغادر _ و لكن هذا اليوم ليس كأيام الشهر و شطره الفائتين , فأحمد حيّ يرزق و هو في صحة جيّدة رغم أن البدن مهلوك تماما و الحركة تكاد تنمحي بعد هذا الجمود الطويل لجسده النحيف و الذي ازداد نحافة . .
دخلت أمّه و عانقته و بكت و بكى حتى خرّت قواه و اشتدّ به القهر , و عادت تلك الصورة و تجسّدت بين ناظريه فاستبكتهُ أكثر و بطريقة هيستيرية كبكاء الصبي في المهد . . مساءاً بعد أن علم الأهل و الأصحاب و الأقرباء و الجيران و زملاء العمل و ربّ العمل بخبر تجاوز أحمد للغيبوبة الطويلة بسلام و عودته إلى الحياة , حضرت العشرات من الناس لعيادته . . . هو لا يزال في غُرفة الإنعاش و الزائرين يشاهدونه فقط من نافذة زجاجية مُخصّصة
من ضمن الحضور يوجد صديقه و أخوه بالرضاعة و طاعنه و غادره عزيز , و كذلك توجد انتصار الحقيرة خائنته و طاعنته بأشدّ الأسلحة تمزيقا للقلوب و العقول . . إنّهما معا . . مُمسكان بأيدي بعضهما البعض و واقفين مع البقية في انتظار الاطمئنان على صحة أحمد
ما إن وقفا أمام المريض مباشرة حتّى صاح أحمد و بدأ بالصراخ بكل ما أوتي من القوّة التي لم يتبقى منها شيئ : سيروووو فحاالكم , بعدوووووا مني , دعيتكم لله سيرووووا يا ولاد * * * . . كان يصرخ بهستيرية و بألفاظ و كلمات نابية غير ما اعتاده الناس
طلب الدكتور من الجميع مغادرة القاعة لأن حالة المريض لا تسمح له بأكثر من هذا , و بدأوا يهدّؤنه من حالته الجنونية هاته .. طلب أمه فقط التي دخلت و أخذت كرسيّا برغبته و صار يسرد لها كل شيئ
بعد أن حكى كل شيئ لأمه التي لم تُصدّق أنه رغم كلّ هذا لا يزال أحمد حيّا يُرزق و لم يُصبه من الأمراض المزمنة شيئ . . كيف لها أن تهضم مثلا هذا الفعل الشنيع و من إنسان كانت تثق فيه و إنسانة هي من اقترحتها على ابنها لتكون عروس بمتابة ابنتها في بيتها !!
خرجت الأم و الجموع من الناس هناك في بهو شاسع للانتظار و اتّجهت صوب الثنائي الحقير , لم تلحظ انتصار الخائبة شيئا إلا و الدماء تسيل من على خدّها , لقد خمشتها بأظافرها مُحدثة لها جُرحا غائرا غيّر ملامح وجهها و شدّتها إليها من شعرها _ تفووو داير بحال الجيكسة تاع السلك _ و أسقطتها أرضا تحت أنظار عزيز الذليل الحقير الذي حاول فضّ معركة هو طرف فيها لقد كانت تشتف و تُهيتف عليها , فأمّ أحمد رغم تمكّن المرض منها إلا أنها في صحة و عافية الفحول و هذا ما ألهمها طاقة إضافية بها وجّهت صفعة إلى وغد كانت تعتبره ابنا لها و تضعه بمقام أحمد . .
فضحتهما أمام الحضور و علمت بعد ذلك أنهما تزوّجا سرّاً , و أن السلعوة و الوغد ينتظران مولوداً تكوّن خارج أصوار الزواج الشرعي و القانوني
ربّما انتهت القصة , و لكنّها لن تنتهي بالنسبة لأحمد و السلعوة و الغدّار ما دامت الوجوه تلتقي بشكل يوميّ تقريبا , لأنهم جيران في نفس الحي . . هذه الواقعة حدثت في أواخر سنة 2012 ميلادي . . الآن أحمد بعد تجاوزه للهزّة النفسية التي ألمّت به قام بخطبة فتاة أعرفها أنا حقّ المعرفة . . تعرّف عليها بطريقة غريبة و طريفة , لأنّهما كانا مُقدّرين لبعضهما بعد فشل زواجها هي الأخرى من شابّ خائن غدّار


10/09/2014


الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014

مشهد


ذات صباح من صباحات المواطن المغربي العادي , قصدت المُقاطعة للحصول على وثيقة إدارية . . كان صباحاً شديد الحرارة و شمسُه اللاذعة تلفح الحيّ و الشّيئ . . الكُلّ على أعصابه , فائر , غاضب , متوتّر , مُكبّل بخيوط الملل , على شفير مشادّات كلامية لأتفه الأمور . . الموظّف متجهّم في وجه المواطن البائس الراغب فقط في قضاء مصلحته و المغادرة بسرعة من تزمّت الإدارة بجوّها و حيّها و شيئها . . و المواطن ما عليه إلا تصنّع الصّبر كي يحصل على مأربه و يغادر بسلام
مكتب يواجه مكتب و آخر عموديّ على السابقين في نهاية دهليز شبيه بدروب الأحياء العتيقة , و في كلّ مكتب مكتبين للواحد منهما مقعدين و بضع وُريقات و وثائق موضوعة بمعية عدد من أختام الدّولة على سطحه . .
دخلتُ مكتب تسليم نُسخ عقود الازدياد , إنّه مملوء بالبشر حدّ التُّخمة , الوُقوف المُتصافّون كالجُندِ أقلُّ عدداً من الجُلوس على الضّص الذين يفترشون وثائقهم أو أحذيتهم لعدم توفّر مقاعد الانتظار . . يُقابل مدخل المكتب نافذة مفتوحة على مصراعيها تُطلُّ على سقّاية بصنبور واحد بمحاذاة شجرة تين لا يُستفاذ منها إلا ظُلّتها
الموظف الأصلع ذو الشّارب الكثّ بدا عليه العياء , أصابعُه لم تعُد تقوى على الإمساك بذاك القلم الذي يبدو أنّ له معه قصصا و حكايات لا يعُدُّها و يحصيها إلا مُتفرّغ لكلّ الفراغات الفارغة , وضع القلم و شبك أصابع يديه مع بعض فَعَلاَ صوتُ طقطقة أوحت أن التّشنّج أصاب الأصابع و باقي العضلات و الأطراف . . أخذ سجارة من على أذنه اليسرى و لوّح بيده إلى زميله الذي يقابله بعد أن همهم مناديا عليه ليمُدّه بالقدّاحة . . أضرم ناراً كالتي تسعّرت في دماغه و جسده الذي يتصبّب عرَقاً في تلك القاتلة الحقيرة . . أدخل ما أدخل من دخّانها في جوفه لتخريب تلك الإسفنجة النّاقلة للهواء الجوّي إلى مجرى الدم و تخليصه من ثنائي أوكسيد الكربون اللاّمفيذ للجسم , ثُمّ نفث في جوّ الغُرفة الصغيرة غَماماً غطّى الأجواء و عكّرها , بل هو سحاب رُكاميّ زاد من تزمّت الوسط , و ابتزّ بذلك المواطن الذي رٌبّما يعاني حساسية مُفرطة من هذه الروائح المميتة _ حتّى و إن لم تكن هناك حساسية من رائحة دخّان المدخّن فهي تبقى مُضرة مميتة _ . .
ازداد الغيظ غيظاً , و تعب الموظّف من روتينه المُمِلّ الذي يتمحور فقط حول تعبئة نُسخ عقود الازدياد بمُعطيات منقولة من كُنّاشات الحالة المدنية و الختم و التوقيع و لمّ درهمين مقابل كلّ طابع بريدي و الصبر لم يعد له صبرٌ عند المواطن العجول في قضاء أغراضه و لو بسَكْب كوب قهوة على رأس الموظف كي يُقدّمه عن البقية
إلى حدود هذه الأسطر السابقة , كل شيئ يبدو عاديا و السماء كالقلوب الطاهرة صافية
الحدث """""""
امرأة متوسّطة العُمر و القدّ , خَتَم الزّمن على وجهها المُقْمَطِرّ معاني التّعاسة و الشّقاء , لا يبدو أنها في السّن الظاهر عليها إذا نظرت خلف ملامحها البريئة , إنّها أصغر من عُمرها بكثير , يا للشّقاوة و يا لغدرك أيّها الدّهر المُجرّد من الرحمة يرافق السّيدة صبيّ لا يتعدّى الثلاث شِتاءات و الراجح أنّه ابنها , إنّه يصرخ و يتمتم بكلام لأمّه مفاذه " لنخرج من هذا المكان " و أمّه تهدّؤه بتلطّف و رِفقٍ و صبرُها في أطواره النّهائية للفناء . . ارتفع بكاء الصبي و كثُرت الهمهمات و اللغيط و الجلبة السّوقية سيطرت على الجوّ , افإذا بأحد الموظّفين يصرخ حتى قارب على قطع حباله الصوتية : " سَكّتونا يا الزّمر و سكتو عليا هاذ البجغوط و لا خرجوه " . . فما كان من الأم إلا أن هَوَت بكفّ من صًلب على ظهر ذاك المشاغب المشاكس الذي أوقدَها غضباً " خربلااااااط " !! . . زاد بكاء الصّبي عن حدّه و اختلطت دموعه بخُنانه و أخرج كلمة وااضحة شفّافة ناهراً والدته بها " ابتعدي عنّي أيتها العاهرة " و كانت كلمة زنقاوية هابطة . . عمّ صمتٌ رهيب كأن الموت حصد الكلّ إلا من ثغاء البعلوك الذي تمادى بكلمات أكثر وقاحة , فجأة خربقته أمه بلكمات و كفوف يسارية و يمينية من أسفله و أعلاه _ بطّنته و سلخته من المزيان _ حتّى انتزعته منها امرأة أخرى كي لا تقتله أو تُيبه بعاهة لقدّر الله

محمد لخبيزي العامري

10/09/2014

-----------------